الأحد، 27 فبراير 2022

إمبراطوريات القهوة



لقد شهد إكسبو 2020 دبي حملات تسويق شارك فيها أكبر منتجي القهوة الرئيسيين في العالم ضمن مساعي الدول للاستفادة من الفرص المتاحة في السوق الإماراتية الكبيرة.

لا تشرب القهوة على عجل، فهي أخت الوقت، وصوت المذاق، وبنت الكرم أيضاً، لها لذة خاصة، يعشقها الكتاب والشعراء، ومنها يتخذ أهل «التواصل الاجتماعي» رفيقاً لتغريداتهم الصباحية، حبوبها تمثل «ذهباً أسود» لعديد الدول التي تتخذ منها ركناً أساسياً في حركتها الاقتصادية، حيث لا تكاد الأجنحة الدولية في معرض «إكسبو 2020 دبي» تخلو من رائحة القهوة، ففي الوقت الذي تستخدمها بعض الدول رمزاً للضيافة، هناك دول تسعى إلى استكشاف طرق جديدة لتوسيع خطوط تجارتها في القهوة

في دبي والإمارات لم تعد القهوة مجرد مشروب يجمع الأصدقاء معاً على طاولة واحدة، أو رمزاً للضيافة فقط، وإنما أصبحت جزءاً من حركتها الاقتصادية، بعد أن شرعت الأبواب أمامها، لتصبح دبي مركزاً عالمياً لنشاط تجارة البن، وهو ما دعا الإمارة إلى الاستثمار في بناء مركز لتجارة البن، يتبع مركز دبي للسلع المتعددة، حيث يمكن لهذا المركز معالجة 20 ألف طن من حبوب البن الخضراء سنوياً، إلى جانب توفير خدمات لتخزين هذه الحبوب ومعالجتها وتحميصها وتعبئتها.

وبحسب دراسة تحليلية صادرة عن غرفة دبي في العام الماضي، فإن مبيعات تجارة البن بالتجزئة في الإمارات بلغت في 2021 ما يقارب 3 مليارات درهم رغم تأثير جائحة كورونا على سلاسل الإمداد العالمية.

ومنذ افتتاح مركز القهوة في دبي، عام 2019، أصبحت الإمارات واحدة من أكثر أسواق القهوة تطوراً في المنطقة، بينما تشير التوقعات إلى أن قطاع القهوة في الإمارات والمنطقة وأفريقيا سيحقق نموّاً مركباً بنسبة 7.5% حتى 2025


مميزات القهوة الكولومبية

على المستوى العالمي، يحظى اقتصاد القهوة بأهمية بالغة، وفيه لا تزال كولومبيا تحتل مراتب متقدمة، بوصفها أكبر منتج لها، وتحديداً لنوعية «أرابيكا كوفي»، فضلاً عن كونها مالكة لأجود أنواع حبوب القهوة في العالم، تبين الإحصاءات أن كولومبيا صدرت هذا العام أكثر من 14 مليون كيس من القهوة تزن 60 كيلوغراماً، بزيادة 5% عن العام الماضي.

وفي هذا السياق، تبين لورا توريس توروا، إحدى مسؤولي جناح كولومبيا في معرض إكسبو 2020 دبي، لـ«البيان» أن القهوة الكولومبية تعرف بطعمها المعتدل الذي يشبه إلى حد ما المكسرات، وتعزي لورا السبب إلى طبيعة معالجة البن، وطرق تحميصه المختلفة، والتي تكسب القهوة الكولومبية مذاقاً خاصاً.

وتقول: «كولومبيا تعد أكبر منتج لقهوة «أرابيكا» في العالم، وهي تمتلك أجود أنواع حبوب القهوة في العالم». ونوهت لورا بأن زراعة أشجار القهوة في كولومبيا تؤمن الوظائف لعدد كبير من الناس، وهو ما حولها إلى جوهر الأنشطة العائلية في كولومبيا.

وتابعت: «طبيعة المناخ في كولومبيا أسهمت كثيراً في زراعة أشجار القهوة، حيث تمتلك كولومبيا 3 أنواع رئيسية من القهوة، وهي قهوة كاستيلو، وقهوة كاتاررو، وقهوة تينتو، التي تكاد تكون الأشهر في كولومبيا».

وأكدت لورا أن انتشار تناول القهوة في كولومبيا أسهم أيضاً في تقوية عود صناعة الشوكولاته هناك. وقالت: «هناك اهتمام كبير في كولومبيا بزراعة أشجار الكاكاو، ما عزز صناعة الشوكولاته، التي أصبحت رفيقة القهوة في كولومبيا».

وتؤكد لورا أن عملية تحميص حبوب القهوة ووصولها إلى درجة داكنة من دون أن تظهر المرارة بشكل مفرط تعد السبب الرئيسي الذي يقف وراء تفضيل الناس للقهوة الكولومبية، ولعل الاهتمام الكولومبي العالي بإنتاج ألذ أنواع القهوة وأجودها في العالم بدا أمراً مقنعاً لمنظمة اليونسكو، التي قامت بإدراج منطقة زراعة القهوة الكولومبية ضمن قائمة التراث العالمي

موجة جفاف

وفي الوقت الذي تحتل فيه كولومبيا المرتبة الثالثة عالمياً، فقد جاءت البرازيل أولاً، فهي بحسب تقرير صادر عن موقع visualcapitalist المتخصص في البيانات والإحصاءات، تنتج بمفردها نحو 37% من إمدادات البن في العالم، وهو ما يتجاوز 3 ملايين طن، حيث تغطي مزارع البن حوالي 27 ألف كيلومتر مربع من البرازيل، وغالبيتها تقع في ميناس جيرايس وساو باولو وبارانا.

ارتفاع هذا الإنتاج مكّن البرازيل من الهيمنة على القائمة على امتداد قرن وأكثر، حيث وصل حجم إنتاجها في 2019 إلى 49.31 مليون كيس، تم تصدير 82% منها إلى الأسواق الرئيسية حول العالم، ووفق إحصاءات هيئة الترويج الاستثماري والتجاري البرازيلية، فإن «البرازيل قامت بتصدير نحو 21 مليون دولار من منتجات القهوة إلى الإمارات في 2019».

ورغم قوة الحضور البرازيلي في سوق القهوة، إلا أن مكانتها ومحصولها من البن أصبح مهدداً بسبب التغير المناخي، بعد موجة الجفاف التي ضربت البرازيل خلال العالم الماضي ووصفت بأنها «الأسوأ في تاريخها»، حيث شكلت تهديداً مباشراً للعديد من المحاصيل الرئيسية في البرازيل، وعلى رأسها البن، وهو ما أثار قلق التجار على محصول القهوة خلال العام الجاري، الذي يتوقع أن يتأثر بارتفاع درجة رطوبة التربة في منطقة ميناس جيرايس

فيتنام.. رؤية جديدة

ما أن تقترب من جناح فيتنام في معرض إكسبو 2020 دبي، حتى تتغلغل رائحة القهوة بين أنفاسك، فلا يمكنك مغادرته دون تذوق «القهوة مع البيض»، ليكشف ذلك عن حجم اهتمام هذا البلد بتجارة القهوة، التي مكنته من احتلال مكانة متقدمة فيها، وتحديداً المرتبة الثانية عالمياً، من خلال تركيزه على إنتاج حبوب «روبوستا»، وهي أقل كلفة من نظيرتها، وتحتوي على ضعف كمية الكافيين الموجودة في حبوب أرابيكا.

حالياً أصبحت فيتنام تستحوذ على أكثر من 40% من إنتاج العالم من حبوب «روبوستا»، بينما تستحوذ فيتنام على 17% من الإنتاج العالمي للقهوة، حيث استطاع هذا البلد في 2020 تصدير 1.7 مليون طن، إلا أن رؤية فيتنام المستقبلية، وحسب التقارير الصادرة في 2020، ترمي إلى مضاعفة قيمة صادراتها السنوية من القهوة إلى 6 مليارات دولار في العقد المقبل، وتحويل معظم الإنتاج المحلي إلى قهوة سريعة التحضير تقدم للأسواق الآسيوية مباشرةً، حيث يمكن لفيتنام الاستفادة من موقعها الجغرافي وانخفاض تكاليف الإنتاج للحصول على عوائد مرنة أكثر في الأسواق المجاورة.

قهوة نادرة

وبالحديث عن القهوة، فلا يمكن غض الطرف عن التجربة الإندونيسية، التي تقدم للعالم بعضاً من أندر أنواع القهوة في العالم، بما فيها قهوة «الزباد»، أو «كوبي لواك»، وهي تعد قهوة نادرة ومرتفعة الثمن، حيث تتأرجح تكلفة الفنجان الواحد ما بين 35 إلى 100 دولار. إندونيسيا في سوق القهوة أيضاً تستحوذ على مكانة عالية، حيث تمتلك ما يقارب 7% من الإنتاج العالمي، أي بما يعادل 720 ألف طن.

ورغم غلاء فنجان القهوة الإندونيسي، إلا أن لنظيره الإثيوبي طعماً مختلفاً، وهو ما تتلمسه بمجرد أن تلج بوابة جناح إثيوبيا في المعرض الدولي، حيث تستحوذ القهوة على المساحة الأكبر في الجناح الذي يكشف لك أن إثيوبيا تشتهر بحبوب البن ذات النكهة الكاملة والمتواضعة والقوام الكامل، وبحسب الإحصاءات الصادرة في 2020 فإن إثيوبيا تستحوذ على 4.3% من الإنتاج العالمي، أي بما يعادل 438 ألف طن.

تلك المكانة حفزت إثيوبيا على رفع مستوى سقف التوقعات لعوائد هذه التجارة التي استطاعت أن تحقق «عائدات تاريخية»، وفق ما بينته إحصاءات هيئة القهوة والشاي الإثيوبية، التي أشارت إلى أنها وصلت إلى 578 مليون دولار خلال النصف الثاني من 2021، لتتجاوز بذلك كافة التوقعات التي كانت قد وضعتها هيئة القهوة والشاي الإثيوبية، في وقت كانت فيه إثيوبيا قد وضعت خططاً لإنتاج نحو 652 ألف طن من البن خلال العام الجاري من أجل تحقيق عائدات 1.014 مليار دولار

لاتفيا ... إعادة تصدير

ورغم امتلاكها التربة المناسبة لزراعة أشجار القهوة، إلا أن جمهورية لاتفيا استطاعت أن توجد لها موطئ قدم فيها، عبر الاستفادة من موقعها الجغرافي المطل على الشواطئ الشرقية لبحر البلطيق، حيث نجحت في أن تصبح دولة مصدّرة للبن إلى العالم، وذلك بعد معالجة الحبوب وتحميصها، وفي هذا السياق، توضح سنديجا سليديفسكا، مسؤولة جناح لاتفيا في معرض إكسبو 2020 دبي، أن «مشاركة لاتفيا في المعرض الدولي تعد فرصة جيدة لتعريف الزوار ببلادها، وبدورها في تجارة القهوة»

وتقول: «في الواقع نحن في لاتفيا لا نزرع أشجار البن، وإنما نقوم باستيراد حبوب البن الخضراء، ونعيد تصديرها إلى العالم بعد القيام بعملية تحميصها على درجات مختلفة». وتابعت: «اهتمامنا بعملية التحميص أدى إلى نشوء عدد كبير من الشركات التي تخصصت في عملية تحميص حبوب البن، وفق المعايير الدولية، وقد ساعدنا ذلك في إيجاد موطئ قدم لنا في هذه التجارة الدولية»

وتشير إلى أن إيرادات قطاع القهوة في لاتفيا خلال الأشهر الأولى من العام الجاري وصلت إلى نحو 188 مليون دولار، فيما يتوقع أن يظهر سوق قطاع القهوة نمواً بنسبة 1% خلال العام المقبل، بينما يتوقع أن يصل حجم التعامل إلى 5.5 ملايين كيلوغرام بحلول 2025.

اليمن ... اكتفاء ذاتي

عربياً، لا يمكن غض الطرف عن القهوة اليمنية، حيث تعتبر زراعة القهوة في هذا البلد بمثابة «نافذة الفرصة»، خاصة وأن اليمن ينتج أجود أنواع القهوة العربية، التي تضاهي في جودتها الكولومبية. وبحسب التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة والري اليمنية، فإن المساحة الزراعية المخصصة للبن حالياً في اليمن تقدر بنحو 34497 هكتاراً، ويعمل في هذا المجال قرابة المليون شخص بدءاً من زراعة أشجار القهوة وحتى تصدير حبوبها، فيما وصل إنتاج اليمن من البن خلال العام الماضي إلى 20 ألف طن، وهي تعد نسبة ضئيلة مقارنة بما كان ينتجه اليمنيون قبل نحو 200 عام

SHARE

Author: verified_user

0 Comments: